أكثر من ثلاثين خبراً لأكثر من ثلاثين حدثاً سياسياً وميدانياً وعسكرياً في المنطقة خلال فترة زمنية لا تتعدى ثماني وأربعين ساعة..!! والملفت للانتباه أن كل نبأ ليس أقل أهمية من الآخر.. والمستدعي للتساؤل أنه على الرغم من اتساع جغرافيا الأحداث واتخاذ القرار ومساحة التحرك والتصرف، إلا أن معاد ومرجع كل ذلك الضجيج (المتعمد) يعود على المنطقة العربية، وتحديداً منطقة ما حول البحر الأحمر ومضيق باب المندب..!!
والمتأمل الجيد والفطن يستطيع بسهولة وبهدوء تفكيك كل تلك الخيوط المعقدة ليجدها كلها منطلقة من خيط واحد ليس في يد واحدة، وإنما يدين اثنتين لجسد واحد، ذي عقل واحد أو عقلية تدميرية واحدة، أو بالأصح ذي وجهة مشتركة واحدة في سبيل تحقيق مصلحة معاصرة آنية واحدة، وإن اختلفت الاستراتيجيات والمرجعيات التاريخية والأسلوبية وتعددت أشكال التربيطات والتحالفات الظاهرة والباطنة..!!
لندع كل تلك الأنباء والأخبار تقع من سلة اهتمامنا ولو للحظة، نتأمل فيها حدثاً واحداً مفاجئاً وهو العدوان أو الهجوم الإيراني ليس على العراق ولا على سوريا وهو ما حصل أيضاً في ذات المساحة الزمنية القصيرة (48 ساعة)، وإنما على باكستان هناك في الشرق الأقصى على سبيل المثال، والذي يأتي وكأنه مسحة تمويهية، لنزع الأنظار عن المنطقة المحتدمة فيها مصالح ذلك الجسد الاستعماري الباغي المتمثل في شراكة باتت أوضح من بيان الخيط الأبيض والأسود، بين أمريكا وبريطانيا..!!
فهل إيران اليوم التي فتحت أبوابها ونوافذها لعداوات غير مبررة في الفترة الأخيرة مع 90% من شعوب المنطقة وخصوصا في العراق ولبنان وسوريا واليمن والمملكة العربية السعودية، بحاجة للمزيد من هذه العداوات التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحقق مصلحة أو حتى تحافظ على مصلحة سابقة..؟! وهل من سياسي فطن يمكنه أن يتصور أن ما تقوم به إيران عمل يقوم به نظام يأمل أن يحقق لبلده على أقل تقدير الأمان والاستقرار المفقودين منذ أكثر من ثلاثة عقود..؟!
إن ما تقوم به إيران في الفترة الأخيرة، أياً كان نظامهاً ومهما كان شرانياً وعدوانياً، أثبت أن هذا النظام آلة تابعة ومستخدمة من قبل شريكتي الشر والمصلحة في المنطقة (أمريكا وبريطانيا)، حتى وإن كان لهذا البلد أي مطمع أو هدف استراتيجي، فهو لا يعني شيئاً إزاء ما يتم استخدامها من أجله في المنطقة، وهو استغلال المنطقة واستهدافها بالفوضى التي سميت ذات تحركات سياسية سابقة بالفوضى الخلاقة، التي تخدم مشروعا استعماريا جديداً تتبناه هاتان الدولتان اللتان كثيراً ما بدتا في هندام الصديق، وكثيراً ما صارت الأحداث تعريهما من ذلك الهندام وتكشف حقيقة الكائن الاستعماري المتوحش لهما..
تتداعى هنا وتتزاحم الأفكار والموجهات التي تصب في هذا الاتجاه.. وسيكون لنا وقفات متوالية في حلقات مفتوحة تالية تحاول استيعاب ما تستطيع من كل هذا الضجيج المفتعل والبعثرة المقصودة في الأجندات القائمة في المنطقة.