ضلَّلت إسرائيل العالمَ حين أعلنت أنَّها بصدد اقتلاع «حماس» من جذورها، فصدّق من صدّق، وتشكّك من تشكك، إلى أن تبلور ما يشبه الإجماع على استحالة التصفية وحتمية الذهاب إلى التسوية.
والتسوية التي يجري ترويض "حماس" للانخراط فيها هي التي سبقتها إليها فتح، أي منظمة التحرير، وفق الشروط الأميركية المتفاهم عليها دولياً، بما في ذلك ما تبقى من الاتحاد السوفياتي في حينه.
انهارت التسوية التي بدأت في مدريد ونضجت في أوسلو، وانقطع حبلها في منتصف الطريق، إذ أنجبت مولوداً غير مكتمل النمو، هو السلطة الوطنية الفلسطينية، وكلمة الوطنية هي مجرد إدخال فلسطيني على المصطلح.
حين تنجو «حماس» من التصفية الجذرية التي أرادتها إسرائيل وسعت إليها، فذلك لا يعني أنها انتقلت من موقع الفصيل الكبير إلى موقع القائد المقرر في الشأن الفلسطيني، فهي إن كانت في أوج قوتها أو فيما هو أقل من ذلك، فلن يختلف الأمر كثيراً عليها، فهي لن تكون بديلاً عن «فتح» والمنظمة بل ستكون شريكاً، ولن تفرض على الفلسطينيين برنامجها، والأمر لا تقرره قوة أي طرف وتفوقه على الطرف الآخر، مهما ارتفع الرصيد في الاستطلاعات، إنَّما تقرره الحاجة لأن تكون العلاقة مع الآخرين قائمة على الشراكة، وليس الاستئثار.
الذي هيأ لـ«حماس» نجاة من التصفية الجذرية، ليس سلاحها على أهميته التي لا تنكر في الحرب العسكرية، ولا حكمها لغزة، الذي وفّر لها شرعية أمر واقع جعلت العالم كله يخاطبها ويتعامل معها، بما في ذلك إسرائيل، وإنما لأنها فكرة يعتنقها جزءٌ كبير من الشعب الفلسطيني، والفكرة لا يمكن تصفيتها فعندنا من لا يزال يحتفل بمواقع موغلة في القدم.
حين تسأل أميركا ما الذي يجب أن يُفعل في اليوم التالي، فهذا جزءٌ من مهمتها الكونية وطريقة أدائها لأدوارها، أمّا الذي يجب أن يُسأل بحق فهم الفلسطينيون، «حماس» المقاتلة و«فتح» المفاوضة، والمنظمة التي لا تزال مؤهلة لجمع الطرفين.
الفلسطينيون حتى الآن لم يجيبوا عن سؤال اليوم التالي لوقف الحرب، مع أنهم الأكثر احتياجاً للإجابة.