آراء

فبراير .. إذا ابتليتم فاستتروا ..!!

د. عبدالوهاب الروحاني

|
11:43 2025/02/10
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook

التغيير سنة الحياة، ومن لا يرغب في التغيير؟ كلنا نسعى إليه: أفراداً، أسرًا، جماعات ومجتمعات، كلنا نبحث عن الأفضل، كل في إطارها وحجم طموحاته، وهذا حق مشروع.

عندما خرجتم إلى الساحات وطالبتم بإسقاط النظام، قلتم إنها ثورة تغيير سلمية، وأنها تستهدف تحقيق العدالة والمساواة، وصدقناكم. ولكن السؤال المهم هو: هل الأهداف التي أشعلتم بها الساحات في فبراير 2011 هي نفسها التي آلت إليها عملية التغيير التي يعيشها شعبنا منذ أربعة عشر عامًا؟

إذا كان الأمر كذلك، فما الذي غيرتموه؟ وكيف تم التغيير؟

   قلتم إن "ثورتكم" سلمية تستهدف بناء دولة مدنية، وإذا بها تنقضُّ على الدولة وتدمّر مؤسساتها، وتُلغي الأنظمة والقوانين، وتتجاوز الدستور.
   قلتم إنكم خرجتم لبناء جيش وطني بدلاً من الجيش العائلي، وظهرتم من اليوم الأول بمليشيات مسلحة وعصابات وقطاع طرق، ثم مزقتم الجيش والأمن تحت مسمى "الهيكلة".
   قلتم إنكم تطالبون بالعدالة والمساواة، فرفعتم من اليوم التالي سيوف القبلية والمناطقية والعنصرية، وميزتم بين الأسر والجماعات والأفراد. وبهذا السيف الصدئ، أنتم اليوم تحكمون الوطن مجزأً منذ 14 عامًا.
   قلتم إنكم ستبنون شراكة وطنية، فتقاسمتم السلطة والثروة مع عيالكم وأهلكم وذويكم، وتلفعتم بكل الوساخات، وطبقتم سياسة "الأقربون أولى"، وضربتم بالدستور والقوانين، وبقيم الدين والأخلاق عرض الحائط.
   كذبتم وقلتم إنكم "ستقضون على الفساد والتوريث"، وأظهرتم الوجه الأقبح، وكنتم الأكثر فسادًا، والأمهر في التوريث والسيطرة والاستحواذ منذ أول يوم لكم في السلطة.

الفساد الخجول
كان لدينا دولة، نعم، بها فساد، لكنه كان فسادًا خجولًا. كان المسؤول الفاسد يُفسد وهو خائف من الملامة، والنشر، والتشهير، والتقريع، وربما يخشى العزل إن لم نقل القضاء والمحاكمات.
الفسدة في ظل الدولة التي أسقطتها الفوضى في 2011 بنى بعضهم ثروته على مراحل، وربما على مدار عقود، ولكن على شيء من الخوف والحذر. أما "ثوار فبراير 11"، فقد أصبحوا مليونيرات خلال بضع سنوات، إن لم نقل بضعة أشهر، رغم الحرب والجوع والتشريد الذي عانى منه الشعب.

راجعوا كشوفات حكام اليوم، نزلاء "خيام فبراير"، وببساطة ستكتشفون كيف قفز هؤلاء من خيام الساحات إلى قصور فارهة، ومشاريع تجارية عملاقة، شيدوها بأموال الجائعين ومرتبات الموظفين، ليس فقط في أماكن سيطرتهم، بل في الخارج أيضًا، حيث يديرون استثماراتهم من إثيوبيا، ودول الخليج، ومصر إلى تركيا، والعراق، ولبنان، وأوروبا، والأمريكيتين.

الغريب والمضحك والمبكي في آن واحد
أنه بعد 14 سنة من "ثورتهم" التي أفضت إلى قتل اليمنيين وخراب الدولة، والتفريط في السيادة، لا يزالون يقولون وبلا حياء إن "ثورتهم مستمرة". وهذا القول أراه ضربًا من الوقاحة وصفاقة لا مثيل لها.
هل تعرفون لماذا؟

   لأن رموز هذه الثورة ومختطفوها من سدنة المعبد السابق يمتهنون الفساد حتى أذانهم، ويمارسون الفوضى حتى الخراب الذي لا ترميم له.
   لأنهم يبيعون ويشترون بقيم الدولة والمجتمع، ويمارسون العبث بأموال الشعب دون حسيب ولا رقيب.

أي ثورة هذه؟
الثورة عادةً هي التي تأتي بمشروع وطني يقيم دولة، ويبني مؤسسة، ويحفظ كرامة الوطن والمواطن، ويحقق العدالة والمساواة، ويقود البلاد إلى التطور والنماء، لا إلى الدمار والفناء.

وفي ضوء هذا المفهوم المبسط للثورة، نعود ونتساءل:

   أي ثورة هذه التي يرقص ثوارها على أشلاء أطفال مكسورين بلا غذاء، ولا دواء، ولا مدارس، ولا تعليم، ولا مستشفى، ولا طريق؟
   أي ثورة هذه التي يعيش قادتها على أقوات الناس، ويأكلون مرتبات الموظفين، ويصادرون حقوقهم وممتلكاتهم؟
   أي ثورة هذه التي لا تحفظ للناس كراماتهم ولا تصون للمواطن عرضه وحقه؟

خلاصة القول
ثورة يستحوذ حكامها على لقمة عيش المواطن ويتاجرون بقوت يومه، ويحرمونه من أبسط حقوقه الإنسانية ليست ثورة.
ثورة لا يحترم رموزها أنفسهم، ويتسكعون بابتذال بين العواصم غير مرحب بهم فيها، ليست ثورة.

من هنا نقول لهؤلاء: كفى عبثًا بعواطف الناس. اخجلوا أن تسموا فبراير ثورة، فهي ليست أكثر من كذبة كبرى كان ثمنها سقوط الدولة، وتقسيم الوطن، والتفريط بالسيادة، والعبث بالمواطن.

اخجلوا أن تطلقوا على أنفسكم ثوارًا، فذلك والله عيب كبير. المنفلت الصغير منكم يتقاضى في الشهر ما بين عشرين إلى ثلاثين ألف دولار في كشوفات رسمية، بينما 90% من أبناء الشعب الذي تمسكون بخناقه يعيشون تحت خط الفقر.
اخجلوا أن تتحدثوا عن الكرامة وأنتم تبيعون وتشترون بالكرامة.

يا أصدقاء فبراير النكبة، قد ابتليتم فاستتروا... جزاكم الله خيرًا.

جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية