إن الحديث عن اختراق الشرعية لم يعد مجرد تحليلات أو اتهامات إعلامية، بل صار واقعًا ملموسًا تظهره المؤشرات على الأرض، بدءًا من التسريبات الأمنية التي تنتهي إلى أيدي الحوثيين، مرورًا ببطء القرارات السيادية، وتعثر الجبهات، ووصولًا إلى أداء سياسي وإداري مرتبك، يثير التساؤلات أكثر مما يقدم إجابات.
اليوم، تبدو مؤسسات الدولة كما الجسد المريض الذي لا يملك مقاومة، لأن أطرافه مشلولة، وأوردته مخترقة، ونخاعه باتت تسيطر عليه أجسام دخيلة.
الوزراء يتخذون قراراتهم تحت ضغط التوازنات، لا من منطلق المصلحة الوطنية، القيادات العسكرية تخوض معاركها وسط خيانات وتضارب أوامر. والموظف المدني يتلقى تعليماته أحيانًا من أكثر من جهة، في مشهد يعكس حجم الفوضى والانقسام.
في مقابل ذلك، يمضي الحوثي في تعزيز بنيته الميليشاوية، ونشر خلاياه، وتفكيك ما تبقى من مكونات الدولة الشرعية، حتى بات يقاتل في المعركة السياسية بأدوات الشرعية نفسها، ويكسب في الإعلام والدبلوماسية، لا بقوة حجته، بل بضعف خصومه، وتخبطهم، وتساهلهم في صيانة مؤسساتهم من الاختراق.
إن الحل لا يكمن في مداواة الأعراض، ولا في تغيير وجوه بأخرى دون مساس بجوهر الفساد والاختراق. الحل الجذري يبدأ من الرأس؛ من القيادة العليا التي يقع على عاتقها استئصال مراكز النفوذ المخترقة، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة على أسس وطنية واضحة، وشفافة.
لا يمكن بناء جيش وطني يخوض معركته المصيرية، فيما قيادته تعاني من تضارب الولاءات، ولا يمكن خوض معركة سياسية حاسمة على طاولة الأمم المتحدة، بينما ملفات التفاوض تصل إلى الحوثيين قبل أن تصل إلى المعنيين بها داخل الحكومة الشرعية.
المطلوب اليوم قرارات شجاعة، وإرادة صلبة، تعيد الاعتبار لمعنى "الشرعية" التي تحولت في نظر كثير من اليمنيين إلى عنوان هش لا يحمل مضمونًا حقيقيًا.
فالدولة لا تُستعاد إلا بمنظومة متماسكة، ومنظومة كهذه لا تُبنى على أرض رخوة مخترقة، لقد طال انتظار الشعب اليمني لخلاص حقيقي يعيد له دولته المنهوبة، وكرامته المغتصبة.
وكلما تأخرت القيادة الشرعية في حسم خياراتها، وفي تطهير جسدها من خلايا الحوثي المزروعة في مفاصلها، كلما اقترب موعد السقوط الشامل، لا سمح الله.
إنقاذ اليمن يبدأ من إنقاذ الشرعية من نفسها. فإما أن تُعالج الرأس لتُشفى بقية الجسد، أو ندفن الجسد كاملًا ونكتب شهادة وفاته... بيد أبنائه.