لم تسلم المنظومة الصحية في اليمن من عبث ميليشيا الحوثي، التي حولت المستشفيات الحكومية من مؤسسات خدمية إلى مراكز صراع على النفوذ والمناصب.
ويُعد المستشفى الجمهوري في صنعاء، أحد أبرز الأمثلة على هذا الانحدار، حيث تحول من صرح طبي عريق إلى مسرح لصراعات الأجنحة الحوثية، ما أدى إلى توقف شبه كلي للخدمات الطبية المجانية المقدمة للمواطنين.
لعدة عقود، شكّل المستشفى الجمهوري أحد أبرز منجزات النظام الجمهوري في اليمن، ورافعة صحية وتعليمية مهمة للبلاد. فقد ظلّ يقدم خدمات طبية شاملة، واحتضن آلاف طلاب كليات الطب والعلوم الصحية، كمستشفى تعليمي مرجعي. لكن منذ انقلاب الحوثيين، بدأ المستشفى يفقد تدريجيًا دوره، في ظل الفساد والإهمال والتدخلات السياسية.
وفي الفترة الأخيرة، تصاعدت حدة الخلافات بين ما تُسمى "هيئة الزكاة" التابعة للحوثيين، و"وزارة الصحة" في حكومتهم غير المعترف بها دوليًا، على خلفية تعيينات إدارية داخل المستشفى، ما انعكس سلبًا على مستوى الخدمات الطبية. وأكدت مصادر مطلعة أن "هيئة الزكاة" طالبت بإقالة مدير المستشفى، الدكتور محمد جحاف، متهمةً إياه بالفساد، بينما رفض وزير الصحة الحوثي مطلب الإقالة، ما أجّج الصراع بين الجناحين.
وأضافت المصادر أن قيادات حوثية قامت بتعيين شخصيات غير مؤهلة، بعضها ينتمي إلى السلالة الحاكمة داخل الجماعة، في مناصب إدارية وطبية، متجاهلين الكفاءات والكوادر المؤهلة التي تم تهميشها بشكل ممنهج. الأمر الذي أثار حالة من الاستياء الواسع في أوساط الطواقم الطبية، التي باتت عاجزة عن أداء واجبها في ظل إدارة فاشلة وصراعات داخلية متفاقمة.
ويؤكد عاملون في القطاع الصحي أن المستشفى الجمهوري، الذي كان يقدم خدمات مجانية حتى في أحلك الظروف، أصبح اليوم شبه متوقف عن العمل، ولا يوفر حتى الحد الأدنى من الرعاية الطبية أو الأدوية الأساسية، ما يضاعف من معاناة المواطنين، في ظل انهيار شبه كلي للمنظومة الصحية في مناطق سيطرة الحوثيين.
ويحذر مراقبون من أن استمرار هذا الصراع سيؤدي إلى انهيار المستشفى بالكامل، في وقت تشهد فيه العاصمة صنعاء ارتفاعًا مقلقًا في أعداد المرضى، وتراجعًا حادًا في الخدمات الصحية، وسط غياب أي حلول فعلية، أو تدخلات لوقف الفساد والمحسوبية التي باتت سمةً بارزة لإدارة الحوثيين للمؤسسات الحيوية.