يبدو أن إيران أخذت تتخلى عن أذرعها المليشاوية الطائفية مقابل تصفير مواجهتها مع اسرائيل!
المقاربة الأمريكية التي يجري بحثها في الغرف المغلقة تقوم على مرحلتين:
الأولى: أن تلتزم إيران الحياد إزاء ما يحدث في لبنان، وأن تترك إسرائيل تصفي حسابها مع حزب الله تحت عنوان ضمان عودة المستوطنين إلى شمال إسرائيل، وتطبيق القرار الأممي ١٧٠١ القاضي بانسحاب قوات قوات حزب الله من الجنوب والتوقف عن الهجوم على إسرائيل.
وهذا ما التزمت به إيران حتى الآن. أي أن ضرب القوة العسكرية لحزب الله يعني فيما يعنيه تخلي إيران عن سياستها القاضية بجعل حزب الله قوة ردع لحماية أمنها، وهو ما سينعكس على بقية أذرعها الأخرى في اليمن والعراق، خاصة بعد أن أثبتت الوقائع فشل هذه السياسة التي انطلقت من مفهوم مغالط للمقاومة.
الثانية: إعادة هيكلة هذه المليشيات بحيث ينتهي معها أي خطر "يهدد أمن اسرائيل" أو الأمن الإقليمي أو الدولي، وتصبح بموجب ذلك مليشيات عادية وربما بتسليح بسيط تنخرط معه في الحياة السياسية اذا أرادت، ولا يهم، بعد انتهاء خطرها الخارجي، ما الذي ستسفر عنه عملية الهيكلة تلك من نتائج على الوضع الداخلي الذي يصبح شأناً خاصاً بكل دولة على حدة.
وترى إيران أن استثمارها الكبير في حزب الله لا يجب أن يذهب أدراج الرياح، وأن أي تنازل في هذه الجبهة لا بد أن يعوض في جبهة أخرى، وهي ترشح اليمن لأسباب كثيرة منها:
١- أن الحوثي يسيطر على جزء من البلاد سيطرة كاملة، ويعتبره العالم طرفاً في نزاع داخلي على السلطة ، وليس مجرد مليشيا تلعب دور الدولة داخل الدولة.
٢- إن ما يشغل العالم بالنسبة للحوثي هو الملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب وهذه مسألة طارئة، ويمكن حلها بضوابط توفر له شروطاً للتمسك بوضعه في معادلة الحل الداخلي دون تنازلات كبيرة.
٣- إن الإقليم سبق له أن تفاوض مع الحوثي وإيران، ولو لم تستجد بعد ذلك تلك الظروف التي دفعت فيها إيران الحوثي إلى القيام بتلك الأعمال الفوضوية في البحر الأحمر وخليج عدن لكانت إيران قد فرضت الحوثي بشروطها.
من هنا يبدو أن ما ستسفر عنه كل هذه الأحداث والمقاربات سيعقد الوضع في اليمن إذا ما أصر العالم والإقليم على فصل مخاطر علاقة الحوثي بإيران على الصعيد الخارجي عن تلك المخاطر المتعلقة بالصعيد الداخلي، أي أن تُقْدِم إيران ومعها الحوثي على الانحناء للعاصفة وتقديم تنازلات خارجية مقابل تمكينها من تسوية تضع اليمن في مهب الريح.
وإذا استطاعت إيران أن تمرر هذه "التسوية" فإنها تضع أمن المنطقة على كف عفريت، فالسيطرة على اليمن هي جل ما تسعى إليه إيران، ولديها كامل الاستعداد لتقديم التنازلات والتخلي عن أذرعها الأخرى مقابل التمسك بقدم ثابت وقوي في اليمن.