من عام لآخر يزداد احتفاء اليمنيين بالأعياد الوطنية اتساعاً، ما يشير إلى أن مظاهر الاحتفاء لم تعد تمثل بروتكولاً سنوياً بقدر ما أصبحت تعبيراً شعبياً يؤكد اليمنيون من خلاله تمسكهم بالمشروع الوطني وعدم تخليهم عن قيم ومبادئ الثورة والجمهورية.
ما بين الجنوح المفتعل للسفينة ماريا دولت في سواحل عدن والرحيل المذل للمحتل البريطاني من جنوب اليمن (129) عاماً من الاحتلال الذي ظل التخادم السلاطيني الإمامي مع المستعمر يمنحه البقاء ويعمل من خلال ترسيخ المناطقية والتجزئة الجغرافية والسياسية على وأد أي توجه وطني نحو الاستقلال .
129 عاما باعدت بين أسفار اليمنيين وقسمت اليمن إلى سلطنات ومشيخات وممالك تتقاسم الشعب الواحد ويتنافس حكامها وأئمتها على خدمة المحتل الذي أدى تعاملهم معه كسلطة مركزية يستندون عليها في الحصول على المال والسلطة إلى اسقاط مفهوم اليمن الواحد أرضاً وشعباً والاتجاه نحو ترسيخ مفاهيم وطنية جزئية في الوعي المجتمعي.
وبالعودة لقراءة ما شهدته اليمن من أحداث خلال فترة الاحتلال، فقد أدى انكفاء حكام السلطنات والمشيخات على أنفسهم وانشغالهم بالمشاكل الداخلية والنزاعات المناطقية في جنوب اليمن، واتجاه الكهنوت الإمامي في الشمال للحصول على اعتراف بريطانيا بدولته الوليدة وترسيم الحدود فيما بينها وبين نصف الوطن المحتل، شرعن الاحتلال وحال دون ظهور أي مشروع وطني تحرري يدعو للاستقلال وطرد المستعمر.
ونتيجة لكل ما شهدته اليمن من تناقضات وسقوط الوعي السياسي الوطني، أصبح المحتل البريطاني يمثل السلطة الأعلى التي تمنح السلطات وتحولت حكومات الكيانات المحلية إلى إدارات ومكاتب ترعى وتحمي مصالحه وتعمل على قمع كل من يعارضون سياساته.
ووفقاً لمراقبين فقد أدت تبعية تلك الكيانات للمحتل، إلى تمزيق الهوية الوطنية وإسقاط المشروع الوطني الجامع من الذاكرة السياسية للشعب اليمني، مؤكدين أن المد الثوري التحرري في الوطن العربي الذي انطلق أوائل خمسينيات القرن العشرين مثل الميلاد الحقيقي للمشروع الوطني في اليمن.
وأشاروا إلى أن انطلاق مسيرة النضال الوطني من مفهوم الهوية الواحدة والمصير الواحد والتفافها حول هدفٍ واحد نقل المشروع الوطني مراحل متقدمة وبعثر أوراق المستعمر وأطاح بسياساته وأدواته في الشمال والجنوب.
وأكدوا أن الاستقلال وطرد المستعمر من جنوب اليمن ورحيل آخر جندي بريطاني في الـ30 من نوفمبر جاء تتويجا لواحدية النضال وواحدية الثورة وانتصار المشروع الوطني في الـ26 من سبتمبر عام 1962وسقوط الحكم الكهنوتي المستبد وانطلاق ثورة الـ14 من أكتوبر ضد المحتل البريطاني في العام 1963.