المشهد المأساوي الذي لاجدال فيه اليوم أن التعليم في اليمن يأتي في آخر أهتمامات حكومة الحوثي بصنعاء ، وأن الجامعات الحكومية والمعاهد الفنية والمهنية والمدارس أصبحت في حكم التركة والملكية الخاصة لاولياء الله الذين حولو التعليم المجاني الى تجارة رابحة تدر المليارات تحت أعذار ومبررات واهية ، كما ان السيول النقدية المتدفقة من الاتصالات والجمارك والضرائب والاوقاف والكهرباء والمياه والجبايات بأمكانها أن تحل أزمة الرواتب لوصدقت النوايا.
والحقيقة المُرة اليوم أن التعليم الحكومي بجامعاته ومعاهدة ومدارسه يتعرض لمجزرة دموية دون رحمة في مسالخ المؤامرات ومذابح الانتقام ومشانق الوعي وبلدوزر الاجندات ومصالح القوى العابثة التي تحاول القضاء على الكفاءات والمبدعين.
وما يدعو للحسرة والحزن انه تم تحويل الكتاب المدرسي المجاني الى سلعة للبيع والشراء على قارعة الطريق ، و لم تعد رسوم التسجيل رمزية ، ولا جدول حصص أسبوعي مكتمل ولا معامل ومختبرات ومواد للتطبيق العملي ، ولامرتبات للمعلمين والمدرسات ، ولا مدرس يحضر مادته بأمانه ولا طالب عنده استعداد نفسي لحضور المدرسة والاهتمام بمذاكرته ولاحكومة عندها ارادة حرة وعدالة حقيقية لصرف حقوق المدرسين من الدولة أو حتى من مليارات صندوق المعلم الذي تحولت ايراداته الى قروض ولغز محير للعقول.
مدارس حكومية تبحث عن جبايات ورسوم تسجيل غير قانونية تحت غطاء مجالس الاباء ، وكتب مدرسية أسعارها مثل النار ، ومدارس خاصة تمارس الابتزاز وعدم التقيد بالتسعيرة الرسمية لوزارة التربية ..
مدارس تفرض مليون ريال رسوم لدراسة ثالث ثانوي بالاضافة الى 100 دولار رسوم تسجيل .. ومدرسة تفرض 750 ألف ريال بالاضافة الى 100 دولار رسوم تسجيل .. وأخرى تفرض مليون وخمسمائة ألف ريال .. ومدرسة تفرض 150 ألف ريال رسوم تسجيل طالبه في الصف الخامس ابتدائي ..رسوم انتظار وكُتب وزي مدرسي .. في ظل غياب الرقابة والضمير والوازع الديني.
والغريب في الامر ان مطابع مؤسسة الكتاب المدرسي التابعة للدولة بمبانيها ومطابعها وموظفيها وعمالها وأحبارها وأوراقها والتي هي ملكية للشعب اليمني تبيع الكتاب المدرسي للمدارس الخاصة بأسعار مضاعفة وتوفره في كل زاوية ودكان وعلى أرصفة الحصبة والتحرير والمشهد ، وكل مطبعة ومصور شغال وقاصد الله ، بينما يتم حرمان الطالب الحكومي من الكتاب المدرسي المجاني وفقاً للدستور والقانون بعلم الوزير ومكاتب التربية والاجهزة الامنية ومجلس النواب دون اتخاذ أي موقف رسمي او مساءلة !!؟
والأكثر إثارة ومرارة هو عزوف الطلاب عن الدراسة في جامعة صنعاء بعد ان كانت الجامعة تستقبل آلاف الطلاب المسجلين لاختبارات القبول بنسب مرتفعة والاقبال كبير حباً في التعليم لنصدم مرة أخرى بأن عدد المسجلين في الفيزياء 5 وفي التاريخ 2 ، وفي الجغرافيا 4 وفي الاثار 4 وفي الادب الفرنسي 1 ما يدعو الى طرح اكثر من علامة تعجب واستفهام.
ومالفت نظري والآخرين أن نسبة المتقدمين في جامعة صنعاء العريقة لهذا العام مخيفة جداً ومخجلة حيث لم يتقدم للدراسة في الكيمياء أي طالب ، ولم يتقدم للرياضيات سوى صفر على الشمال ، وتقدم لمادة الاحياء 4 في أشارة الى ان مستقبل اليمن غامض ومرعب جداً بعد ان رفد مؤسسات الدولة وسوق العمل ودول الجوار خلال ستين عاماً بالكوادر والخبرات الوطنية الكبيرة في كافة مجالات وشؤون الحياة.
والاغرب من ذلك ان جامعة ذمار التي كانت تستقبل آلاف الطلاب في جميع التخصصات يقال ان عدد المتقدمين للتسجيل بلغ نحو 147 طالباً .. ترى كم سيكون نصيب كل كلية وقسم من الطلاب .. وان الاسباب الحقيقة التي تقف وراء ذلك الفشل والعزوف يرجع الى انها تحولت الى شبه قطاع خاص ، موازي ونفقة وغيره ، ما ادى الى هذه الكارثة.
والرجل الحكيم يتساءل في أي تاريخ من تواريخ الاستبداد وفي أي مذهب ودولة من دول العالم يتم استغلال واستنزاف جهد وعرق ودماء ولقمة عيش الموظف والاصرار على تشغيله بالمجان مالم سيتم فصله أو احلال البديل من اهل الكساء بكل الحقوق؟.
والانسان العاقل والمنصف يتساءل في أي حكومة ، وسلطة ، وجماعة ، وعالم ، وقارة ، يتم تحويل المعلم والموظف الى عبد بلا حقوق وشاقي بلا مقابل وسُخره بدون خبز وشربة ماء ووسيلة مواصلات لاداء رسالته الانسانية والبقاء وأسرته على قيد الحياة.
وأغرب من الخيال ان تشاهد معلماً يشتغل بالمجان ظلماً وعدواناً تحت صميل انصار الله ، ومُدرَسة تشتغل بالمجان مالم فالبديل جاهز ، واكاديمي يعمل بالمجان ، وطبيب ومهندس وصحفي وعامل وجندي وموظف شريف يعمل بالمجان .. وريع يامواطن للصراب ، مايدعو الى الصدمة والهستيريا.
والسؤال الذي يطرح نفسه على الرئيس والحكومة واعضاء مجلسي النواب والشورى والمشرفين وسدنة التعليم العالي وكهنة التعليم الاساسي وخدام خدام الجرافي ، في أي دستور وقانون ودين وشرع وقاموس وثقافة وبلد تقطع حقوق كل هؤلاء الموظفين ظلماً تحت فزاعة الدوان ، بينما تصرف مرتبات وموازنات ونثريات ووجبات تماسيح السلطة واسماك القرش ومطاعم الشيباني بشكل منتظم حتى قيل أن"جمل يعصر وجمل يأكل العصار".
في تصوري حتى اللحظة أن حكومة الانقاذ الوطني ، لم تشعر بالخجل والمسؤولية الدستورية والقانونية والاخلاقية ، وانها اليوم في حاجة ماسة الى صدمات كهربائية لانعاشها وأخراجها من حالة الغيبوبة والصمت المريب والنفاق بعد ان كثر شاكوها وقل شاكروها ، لعل وعسى تسجل موقف مشرف أمام الشعب الغاضب حتى النخاع.
وفي ظل عدم الشعور بالمسؤولية وسياسة المتفرج لبيب ، والتدمير الممنهج للتعليم وغياب العدالة لدى حكومة الانقاذ ودولة الانصار ، لصرف مرتبات دكاترة واكاديميي واساتذة الجامعات الحكومية ، ومدرسي الثانوية والاعدادية والابتدائية ، فأن التعليم لايمكن أن يؤدي رسالته الخالدة ويبني أجيال المستقبل و يصمد في وجه المؤامرات والايدولوجيات المتخلفة ولا يمكن أن يحدث ثورة تنويرية في كافة مجالات الحياة للوصول الى الغد المشرق.
والحقيقة المؤكدة ان الدولة اليمنية ومؤسساتها وجامعاتها ومدارسها ومعاهدها الحكومية بنيت من اموال الشعب اليمني والمساعدات الكويتية والروسية وغيرها وليست ملكية خاصة او تركة رجل ميت يتم توارثها وتقاسمها بأسم زيد او عمر ..
والصدمة الكبيرة التي تجعلنا نفكر "ألف ليلة وليلة" ، هو عزووووف الطلاب المفاجئ والخطير عن التسجيل في كليات جامعة صنعاء ، وحديث الشارع عن قرار رئاسة جامعة صنعاء اغلاق قسم الفيزياء والتاريخ لعدم تقدم أي طالب العام الماضي!!؟.
كما ان مقترح الترويج الاعلاني لجامعة صنعاء من خلال عمل فلاشات عبر الاذاعة ولوحات اعلانية في الشوارع الرئيسية يأتي تأكيداً على فشل سياسات الجباااااية بعد ان تحولت الجامعة الى أشبه بالقطاع الخاص في زمن الفقر والجوع وانقطاع الرواتب والركود الاقتصادي وأرتفاع الاسعار وتضخم العملة الذي ادى الى عزوف السواد الاعظم من الطلاب عن التسجيل رغم تخفيض نسبة القبول ، وتمديد التسجيل واختبارات القبول ، ما دفع الشباب الى البقاء في البيوت والبحث عن فرص عمل أياً كانت للبقاء على قيد الحياة ، لانهم لايجدون رسوم التسجيل الباهضة واجور المواصلات اليومية وقيمة الكتب والملازم التي أصبحت تقسم ظهر كل اسرة ، بينما ابناء المسؤولين بمختلف ألوانهم واولياء الله الصالحين في المدارس الخاصة والجامعات اللبنانية والتركية والرشيد واليمن الحديثة بالسيارات الفارهة ومصاريف الجيب الباذخة والمرافقين وحدث ولاحرج .
كل الشواهد تؤكد انهيار منظومة التعليم العالي في عصر الاستاذ حسين حازب الذي تاه في دهاليز السياسة وموقع " تويتر" ، لاسيما وان معظم الجامعات الخاصة لايهمها الكيف بقدر ما تنظر الى المال ورسوم التسجيل المبالغ فيها وفرض رسوم غير قانونية كرسوم نشاط والغرامات واعادة مواد اختبار والتعاقد مع دكاترة ضعاف بعد ان أختزلت الكتب في ملازم ، وأسوأ من ذلك ان تتم التجارب بمواد وتحاليل منتهية في المختبرات والصيدلة وغيرها !!؟.
كنا نأمل من وزير التربية والتعليم يحي الحوثي ، ان يكون أكثر اهتماماً ورؤية وابداعاً وانصافاً ونصيراً لحقوق المدرسين والاستفادة من تجربته في المانيا وكونه شقيق القائد ، لكن شاهد الحال ان وزير التربية خارج اطار التغطية والتعليم بل وصل في عهده التعليم والمعلم الى حالة الهاوية والموت السريري وصندوق المعلم في علم الغيب .
أخيراً .. مستقبل اليمن في مهب الريح ونحن اليوم امام كارثة مرعبة بعد ان تم أهانة وافقار وتجويع وذبح المدرس والموظف من الوريد الى الوريد من خلال قطع مرتباته ومصادرة حقوقه ، وتم تحويل الدولة ومؤسساتها وجامعاتها ومدارسها ومعاهدها الى جدار فصل عنصري وملكية خاصة وصك من صكوك الانصار الذين لاندري هل هؤلاء القوم يدركون انهم مسؤولون امام الله وامام الشعب في ادارة شؤون الدولة والحياة بكل امانة وصدق وفي المقدمة خدمة التعليم ..
وهل يعرفون ماذا تعني الدولة والمؤسسات والدستور وتحقيق العدالة وتوريد السيول المتدفقة من الايرادات الى البنك المركزي بصنعاء وانصاف المعلم ، وتحييد العملية التربوية والتعليمية عن الحزبية والمشاريع الصغيرة والاجندات الايدلوجية المشبوهة من خلال صياغة مناهج تربويه وتعليمية مستقلة وعصرية تقوم على احترام العلم والعقل والتحرر من الجمود والموروث الثقافي السيء وأحترام أنسانية الانسان بعيداً مآسي الماضي وانتقام الحاضر والتخوف من المستقبل؟.
الامل كبير في تصحيح الاخطاء وأيقاف التجاوزات وصرف رواتب المعلمين والموظفين والاهتمام بالتعليم العصري الذي هو مفتاح التنمية البشرية وأساس الحياة .