شعب يزيد تعداده عن الثلاثين مليوناً أصبح اليوم يشعر وكأنه معزول في جزيرة ضالة لا شيء من حولها أصدق وجوداً وتفاعلاً إلا المخاطر والغيب..!! بضعة أسابيع فقط ويطوي العام التاسع متاعه ويمضي، ونحن في معمعمة، لا مسار واضح فيها إلا أننا عائمون على شيء يشبه الوطن في محيط من الغيب يبدو وكأن لا أطراف أو نهايات له، مدى مظلم بلا حدود ولا آفاق ولا وضوح في شيء غير أنه لا شيء إيجابي واحد في جعبة الاحتمالات. .!!
تسع سنوات واليمن يتهاوى في ثقب أسود ومظلم، يتهاوى بشكل حلزوني يصيب بالدوار، لم يتوقف أو حتى يرتطم بشيء أو نهاية، أو يبدُ له أنه قريب من الارتطام..!! فترة زمنية، يناقض عمرها المنطق والواقع نظراً لماهية هذه الأزمة، التي تؤكد من يوم لآخر أنها من نتاج الافتعال، وأنها مبتكرة بشكل لم يكن ممكناً وبأي حال أن يضع نفسه في واحدة من دوائر الممكن أو في نطاق والاحتمالات والتوقعات..!!
بلد تم بدهاء مفتعل تقسيمه جغرافياً وسكانياً وأهميةً ومصالح على طيف مختلف من التشكلات السياسية المتعنصرة فكريا ومناطقياً وولاء لتوجهات نفعية أنانية خارجية أولاً ثم داخلية ثانياً.. بلد صار عرضة لمخاطر شتى بل نستطيع أن نقول لشتى المخاطر لو جاز التوصيف، لأسباب لا يكاد أحد منا يدرك شيئاً منها..!! بلد يبدو كفريسة شهية قليلة الحيلة تم إطلاقها في غابة مأهولة بأنواع كثيرة من الوحوش..!!
والمثير للغرابة في وضع كهذا، وما يبدو متغيراً عن طبيعيته وخارجاً عن المألوف، أنه وعلى اختلاف أنواع تلك الوحوش المفترسة، إلا أنها تتفق في مدى شهيتها المفتوحة تجاه هذه الفريسة، وتنسى خصوماتها وإن بشكل مؤقت، وهي تنظر إلى فريستها الشهية وتراقبها طليقة في البرية دونما أي شكل من أشكال الحماية، فسرعان ما تأتلف السباع والضباع والذئاب وهي تنظر إلى اليمن كفريسة يمكن تقاسمها وإن خالف ذلك طبيعة الغاب..!!
مغبون هذا اليمن، وممعن شعبه في الغبن، نتيجة اختطافه كوطن من مساحات الأمان والكفاية التي كان ينعم بها، ليُرمى في ظلمات لا يمكن القبول أبداً بفكرة استحقاقه إياها..!! لم يعد من شيء في الوجود يقف في صف هذا الوطن، حتى أبناؤه الشرفاء وذوو الولاء له والإيمان به، صاروا أضعف من أن يسندوه ليقف على قدمين.. لقد هز كيانهم اليأس، وأصيبوا بدوار ذلك التهاوي الذي أُقحم فيه الوطن قبل تسع من السنوات ولم يعلموا حتى اللحظة سبباً وجيهاً لذلك الإقحام..!!